كنت أراه وأنا صغيرا كنت اسأل عنه كثيرا كنت أفكر به طويلا حتى أجد سببا يجعل ذلك المجتمع يقسو عليه هكذا ذلك المجتمع الذي ما زلت احقد عليه بسببه ،لم اعرف في حياتي ذنبا يكون عقابه هكذا، كنت أتسائل يا هل ترى ماذا فعل ؟؟ أول مرة رايته فيها كان عمري لا يتجاوز العاشرة، كنت وقتها طفلا هادئا بكل براءة وبكل طهر.... في ذلك الوقت لم أكن أتصور في حياتي انه هناك أناس يموتون في اليوم كثيرا .....وأنا لا اشعر بهم كنت بعيدا عن قهر الحياة بعيدا عن قسوتها وظلمها كنت بعيدا عن ظلم المجتمع .............فانا لم أتجاوز العاشرة ولم يكن لدي أدنى فكرة عن أو تجربة في الحياة .. لكن بدأت القصة حينما رأيت الأطفال في سني واكبر مني يرددون اسمه ويضحكون كان مثالا للضحك والمسخرة ... كل الذي اعرفه عنه انه مجنون ومختل عقليا نعم حتى أن تصرفاته تدل على ذلك.......ملابسه مشيته طريقته في الكلام حتى أكله وشربه يدلان على قصة تدور في الظلمات ذلك الإنسان الذي ترى فيه سمات المشردين ...الفقراء .. المنكوبين ...أي شيء يخطر على بالك فيه قهر وعذاب وظلم أجعله من صفاته...
كنت جالسا مع أمي وأبي اشرب الشاي كعادتي في الصباح وهو كعادته في كل صباح يمر من أمام المنزل كنت انظر إليه فقط ولم أكن أتكلم معه بسب كثرة ما قيل عنه !!!!لكني قررت أن اسمع منه قصته هو بنفسه لكي أكون على علم بحقيقته أوقفته وقلت له تفضل اشرب معنا الشاي فقال (إلي زمان ما أشربت شاي )أدخلته في الصالة وأنا شخصيا في قلبي خوف منه ! جلس وبكل هدوء وطمأنينة قدمت له الشاي وبدأ يشرب الشاي أما أنا فجلست ولم أتكلم معه حتى بكلمة ولكني اكتفيت بالنظر إليه والتأمل في حركاته .
في لحظة من اللحظات انهالت علي الأسئلة التي ما زلت ابحث عن أجوبة لها قلت له بكل حذر هل أنت مجنون ؟ نظر إلي وقال أنت المجنون وهو يضحك أنا ضحكت ضحكة صفراء مجاملا له سألته ما الذي جعلك هكذا كنت اسأله أسئلة كثيرة كان يجيب عن بعضها ويترك الآخر استطعت من خلال أجوبته أن ارسم قصة حياته واكتبها لكم بكل صدق واسى فإليكم قصته على لسانه :
كان عمره صغيرا لا يتذكره عندما قام أبيه بقتل أخته الأكبر منه أمام عينيه وهي تأكل الطعام معهما لم يتصور ذلك ولم يخطر بباله فقد قام الوالد بذلك إرضاء لامرأته الثانية فقد كانت أمه متوفية .......امرأته نظرت إليه حين قام بفعلته ..كل ذلك حصل أمام عينيه وهو لا يستطيع الحراك أو التكلم من شدة الصدمة التي إصابته ثم بعد ذلك تتابعت الأحداث كان وهو يتلو علي قصته لا يبدو عليه أي حزن ولكني كنت أحس انه يكاد ينفجر من شدة حزنه ..هو اليوم عمره يقارب الثلاثين يا لها من سنوات تمضي بكل ما فيها .....يكمل ويقول بعد كل ما حدث: أبي كان يطردني من البيت كنت أنام في الخلاء وفي الكهوف كان أبي لا يسأل عني وحتى انه كان ينساني وينسى أن له ابن ...كان الناس يتصدقون عليه ويطعموه لقد كان مثالا للشفقة........الأولاد في سنه كانوا يلاحقونه ويضربونه ويسبونه ويشتمونه لا يدرك ولا يعرف ماذا فعل لهم حتى يفعل به كل هذا،أدى به ذلك إلى ترك المدرسة والمشي في الشوارع والجنون استمرت الأمور تتحرك به إلى الأسوأ بعض الناس ووجوه الخير مدو له يد النجاة من قسوة المجتمع وأدخلوه في مدرسة خاصة وجد أخيرا مكان أمنا وأناس يقدرونه ويحترمونه ويعدوه إنسانا قال لي كانت أيام هادئة بالنسبة لي ارتحت قليلا !!! أخذت انسجم بالدارسة وأصبحت من المتفوقين واخذ ذكائي ينمو نموا لم اعهده من قبل !كان بعض الناس يأتون ويسألون عني فقد كانوا يتفاجئون من النتائج التي كنت احصل عليها لا اعرف السبب؟ درست أربع سنوات في تلك المدرسة الخاصة التي كانت تقدم لي كل ما احتاج حتى أنني تعلمت الانجليزية وبدأت اشق طريقي فيها ...فجأة وف احد الأيام رأيت ذلك الوجه الذي ما زلت أخاف منه وارتجف حقدا وكراهية له .....دق باب الصف واخذ ينظر إلي ... بعد طول مدة تقارب الأربع سنوات لم يكلمني ولم يراني هو الآن واقف أمامي يخاطب مدير المدرسة ويقول له بكلمات لا زلت اذكرها (هذا ابني وأنا حر به كان المدير يقنعه بأن يبقيني بالمدرسة ويقول له حرام هذا الذي تفعله ابنك من الطلاب الأذكياء .)المهم بعد ساعات من الخناق والمشاحنة بين ذلك الشخص والمدير تعب المدير منه وكانت نهايتي وأخرجني من الصف وسلمني إلى ذلك الشخص وأول شيء كنت أتوقعه حدث ضرب وشتم وإهانة بدأت ابكي ودموعي تنسكب على ملابسي دون حول ولا قوة ..استسلمت للأمر وسلمت نفسي له ليفعل ما بدا له من قسوة وعنف... لا تستغربوا فقد كنت صغيرا وضعيفا أيضا عادت لي حياة البؤس والبكاء والألم والآهات كنت ابكي في الليل في الخلاء والجبال ولكن لا احد يسمعني ولا يعلم بي أصبحت اذهب واطلب من الناس ملابسي واكلي وكانوا يشفقون علي ويقدمون ما يقدمون لمساعدتي من أشياء لا يريدونها أو بالأحرى أشياء يريدون أن يضعوها بالزبالة...احدهم قال لي هناك غرفة مهجورة إذا أردت أن تنام بها وفعلا نمت فيها وكانت بدون أبواب وبدون أي شيء سوى أنها تقيني من بعض المخاطر والبرد؟ (كبرت وكبرت ..لكن أنا مازلت أنا الشحاذ الأهبل المختل عقليا الذي لا يوجد برأسه عقل ) مرت السنين وأصبحت اذهب إلى الشوارع وكان الناس يستغلونني لكي اعمل عندهم وكنت اطلب المال بدل عملي عندهم لكنهم كانوا يعطونني في اليوم خمسة شواقل ( يوم بكامله اعمل عشرة ساعات ويعطونني خمسة شواقل )حتى إنني كنت اعمل عند رجل متدين ويعمل نفسه شيخا ورجل دعوة وكان قاسيا إلى درجة كبيرة علي، في العمل كنت اعمل بحجم ما يعمل أي شخص يأخذ المائة شيقل في اليوم ..
اخذ بعض الناس من أقربائي الذين ساعدوا أبي في إخراجي من المدرسة يقولون لأبي ! إنهم يريدون إرجاعي وإسكاني في مخزن تحت المنزل بالفعل رجعت وسكنت فيه (في النهار اذهب إلى من يستغلني ا والى من يشفق علي ويعطيني صدقة أو قطعة ملابس ومن ثم أعود إلى المخزن لأجد أبي ينتظرني ليأخذ ما يجد معي من مال ولا يدع معي شيء.
في يوم من الأيام عرضوا على أبي أن يزوجني وبالفعل اقتنع أبي! وكان يخاف منهم بأن يزوجني قالو له أمامي من من الفتيات ترضى بهذا المجنون قالوا له وفي خباثة ونجاسة سنزوجه فتاة من مدينة في شمال القدس وهي بعيدة ولا يعرفون عنه شيء المهم أن أبي! وافق..وأنا أنظر بدون أن يقولوا لي أي شيء وكأن الأمر لا يعنيني ......حدث ما حدث وجاء وقت الزفاف !!!!وضعوني أنا وامرأتي! في ذلك المخزن وقالو ألي هذه امرأتك؟تحدث الأشياء وأنا بدون إدراك مني لها !!!!!!!! حدث ما حدث ومرت الأيام وكانت امرأتي!!!اشد قسوة منهم علي فقد كانت تضربني وتشتمني وفعل أشياء حقيرة وغير أخلاقية بي؟
ذهبت الأيام وكانت امرأتي تأخذ بالتعرف على الجيران بشكل سريع وأخذت تقيم علاقات غير شرعية مع الرجال (وكبار البلد) وكانت أمامي في المنزل تمارس أفعالها اخذ الناس يسألونني وأقول كل ما يحدث فقد فضحتهم وبسبب ذلك قام الناس ووجوه الخير بتطليقها مني وأنا لا اعرف ماذا يجري من حولي ........
استمرت المعاناة وأنا لا زلت اسكن في الليل بذلك المخزن وفي النهار اذهب إلى ذلك الشارع الرئيسي الذي يمر منه اليهود أيضا وكل من يمر من ذلك الشارع يراني ويعرف اسمي ويعرف أن هنالك محطة اسمها معلق باسمي .......
تلك المحطة التي لا ينتظر بداخلها إلا أنا حتى الناس لا ينتظرون فيها لاني بها فقد أصبحت مكاني الوحيد الذي يأتي الناس من مارين لكي يضحكوا علي ويعطوني من فضلاتهم من طعام وشراب وملابس .......
في الصيف والشتاء وفي الربيع والخريف انتظر وأراقب الدنيا وانتظر القادم ..................................
لكن سؤالا يراودني لماذا لم يصبح ذلك الشخص مجرما أو قاتلا ا و لم يقوم بالانتحار مثلا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
جواب ذلك السؤال قاله لي بطريقة عفوية من غير سؤال له فقط قال (العقل زينة وقلته أحسن).
هذه ملخص قصة كتبتها لكم وهي قصة حقيقة وأجريت عليها بعض التغيرات البسيطة على كلماتها فقط وليس على أحداثها فهي كما قلت لكم قصة من الواقع ومن قريتي التي اسكن بها .....سامحوني إن أطلت عليكم ولكن رغما عني .....أي ملاحظات على هذه القصة أنا في الانتظار