الحطيئة
(000 ـ 45هـ)
هو جرول بن أوس بن مالك أبو مليكة العبسي، ويلقب بالحطيئة ؛ لقصر قامته.
ولد في بادية المدينة المنورة في العصر الجاهلي في قبيلة بني عبس الغطفانية.
ولم شبّ نظم الشعر وتفنن فيه، وكان راوية للشاعر زهير بن أبي سلمى المزني،
ثم أصبح من فحول الشعراء وفصحائهم ومتقدميهم، تصرف في جميع فنون الشعر من
المديح والهجاء والفخر والنسيب، وكان مجيداً في ذلك كلّه. ويعتبر من
الشعراء المخضرمين لأنه أدرك الجاهلية والإسلام.
أسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد، ثم أسر وعاد إلى
الإسلام، كان ذا شر وسَفَهَ، كثير الهجاء حتى إنه هجا أباه وأمه وأخاه
وزوجه ونفسه !! ومن أمثلة ذلك قوله في هجاء نفسه:
أبت شفتاي اليوم ألا تكلما أرى لي وجهاً شوه الله خلقه
بسوء فلا أدري لمن أنا قائله فقبّح من وجهٍ وقبّح حامله
وقوله في هجاء زوجته، وفي رواية هجا أمّه:
تنحي فاجلسي عني بعيداً أغـربـالاً إذا استـودعـت سـراً
حياتك ما علمت حيات سوء أراح الله منك العالمينا
وكـانـونـاً علـى المتحدثينـا وموتك قد يسر الصالحينا
يقول عنه الأصمعي: كان الحطيئة سؤولاً ملحفاً دنيء النفس، كثير الشر قليل
الخير، قبيح المنظر، رث الهيئة، مغموز النسب، فاسد الدين وكان الناس
يخافون شره، ومغبة هجائه.
قدم مرة إلى المدينة، فأرصد له أهلها من المهاجرين والأنصار العطايا حتى
جمعوا له أربعمائة دينار، وظنوا أنهم قد أغنوه، ولكن فاجأهم في يوم جمعة،
أن استقبل الإمام ماثلاً ينادي: من يحملني على نعلين وقاه الله كبّة جهنم،
وذلك لطمعه وشرهه. له ديوان شعر يحتوي على جميع أغراض شعره ومن أشهر ذلك
قصيدته التي هجا فيها الّزِبْرِقان بدر التميمي ومنها:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
ومن هذه القصيدة البيت المشهور:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
لا يذهب العرف بين الله والناس
ثم إن الزبرقان شكى الحطيئة للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحبسه عمر، ولكن الحطيئة استرحمه بقصيدة جاء فيها:
ماذا تقول الأفراخ بذي مرخٍ ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
فامنن عليك سلام الله يا عمر ألقت إليك مقاليد النهى البشر
فأخرجه عمر واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، بحيث لا يهجوا أحداً من المسلمين بعد ذلك، فأذعن الحطيئة ولكنه قال:
وأخذت أطراف الكلام فلم تدع ومنعتني عرض البخيل فلم يخف
شتماً يضر ولا مديحاً ينفع شتماً وأصبح آمناً لا يجزعُ
وقصص الحطيئة ونوادره وأشعاره كثيرة ومبثوثة في كتب الشعر والأدب العربي، ومن جيد شعره قوله:
الشعر صعب وطويل سلّمه زلّت به إلى الحضيض قدمه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه يريد أن يعربه فيعجمه
يروى عنه أنه لما حضرته الوفاة، قيل له: من أشعر الناس؟ فأومأ بيده إلى
فيه وقال: هذا إذا طمع. ثم قال: احملوني على أتان، واتركوني راكباً حتى
أموت، فإن الكريم لا يموت على فراشه، والأتان مركب لم يمت عليه كريم قط،
فحملوه على أتان وأخذوا يذهبون به ويجيئون حتى مات وهو يقول:
لا أحد ألأم من حطيّة هجا بنيه وهجا المريه
من لؤمه مات على قرية
وكانت وفاته سنة 45هـ.